المصادفة هي التي قادت مبارك لكرسي الحكم

يحيى الجمل :المصادفة هي التي قادت مبارك لكرسي الحكم

الوضع في مصر تحكمه حالة توازن الضعف بين المعارضة والنظامنلتقي في اكثر من 70% مع برنامج حزب الأخوان

محمود ابو بكر ـ الجزيرة توك ـ القاهرة

يعد الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري المصري ، والوزير السابق ، احد انشط الفاعلين في عالمي
الفكر والسياسة ، سواء عبر مقالاته في أعمدة الصحف، أو عبر تصريحاته عبر شاشات القنوات
الفضائية .. مؤخرا صنع الحدث عندما تم الإعلان عن تأسيس " حزب الجبهة الديمقراطية " برئاسته
ثم ما لبث ان أعلن أنه سيتنازل عن المنصب لأنه يؤمن بفكرة التداول ..وظروف السن ضاربا بذلك
عصافيرا كثيرة بفعل واحد .. "الجزيرة توك "حاورته حول الحزب الجديد، ورؤيته حول مجمل القضايا
السياسية والفكرية يلاحظ أن حزب "الجبهة الديمقراطية" الذي قمتم بتأسيسه مؤخرا ، يوصف بأنه
هجين سياسي لأسماء مثلت مختلف الأطياف السياسية في وقت سابق ، مع ان فكرة اي حزب تقوم
على وحدة الرؤية الأيدلوجية والسياسية..فضلا عن انه حزب نخبوي

أعتقد أن هذا توصيف غير دقيق ..ولكن دعنا نتحدث عن الفكرة العامة للحزب والتي تتمثل في الإيمان
بالديمقراطية، والدولة المدنية ، وفكرة المواطنة دون اي شروط بمعني أن كل من يحمل جنسية الدولة
فهو مواطن ومن المفترض ان يتمتع بكافة الحقوق ، بصرف النظر عن ديانته او معتقده او جنسه،
ايضا نحن نؤمن بالليبرالية وهي مفهوم اوسع من الديمقراطية ،وهنا أريد أن اوضح ان الليبرالية
بالنسبة لنا لا تعني ابدا معاداة الدين ،بل تحييد الدين عن العمل السياسي ، حيث أننا ندرك ان الدين
مقدس والسياسة لا قداسة فيها وبالتالي لا نخلط بينهما ..لأن الخلط بين المقدس وغير المقدس يؤذي
الأمرين. أعود لأؤكد لك أننا لسنا من فصائل حزبية متناقضة بل متجانسة ، قد نكون من اجيال مختلفة
ومنابع فكرية مختلفة ..لكن يجمعنا خط اساسي واحد ، هو الإيمان بالديمقراطية بما تعنيه من سيادة
القانون وتداول السلطة وحرية تكوين الاحزاب وتعددية سياسية .في دعوتكم الاخيرة لتشكيل لجنة
تأسيسية تقوم بمهمة إعداد دستور جديد للجمهورية ، تدعون الى التفاف كافة الأطياف السياسية
القائمة والجماعات المحظورة – في إشارة منكم الى الأخوان المسلمون-مع انكم هنا تتحدثون عن
الليبرالية وضرورة ابعاد الدين عن السياسية علينا أن نطرح السؤال على انفسنا ونكون واقعيين في
الإجابة عليه ..هل الأخوان المسلمون قوة موجودة وفاعلة في الشارع السياسي المصري أم لا ؟ ..

أعتقد ان الكل يجمع أنهم موجودون في الشارع السياسي وفي المؤسسات البرلمانية.. وتجاهل ذلك يعد
تجاهل للواقع القائم ، ..ومن المهم أن نجري حوار مع هذه القوة مهما كان حجمها وتأثيرها .. وعلينا
أن نستكشف أولا هل هذه القوة قابلة للحوار على أسس ديمقراطية ، وبالتالي فنحن نرى ان استبعاد
الاخوان او غيرهم من القوة الفاعلة في المجتمع خطأ كبير ..خاصة إذا كانت تلك القوة قابلة للأسس
التي تقوم عليها اللعبة الديمقراطية ، من تداول السلطة واقامة دولة مدنية عصرية الى غيرها من
الشروط .الجزيرة توك : هل سيادتك أطلعت على برنامج "حزب الاخوان المسلمون" الذي تم اعلانه
مؤخرا، وهل لديك ملاحظات حوله ؟نعم اطلعت عليه ولم اكتب أو أبدي رأيي نظرا للغط الذي اثير
حوله ..ولكن باعتبار ان هذا الحوار سينشر في وسيلة إعلام خارجية .. اقول أن البرنامج بصفة عامة
جيد ومحبوك ولا يختلف عن برنامج اي حزب اصلاحي في مصر ، لكن هناك بعض البنود التي عليها
ملاحظات بسيطة ومهمة في ذات الوقت ، مثلا استحداث " هيئة علماء دين تراجع القرارات التشريعية
" سواء الصادرة من البرلمان او رئيس الجمهورية او المؤسسات التشريعية الاخرى، هذا يدخلنا الى
نفق الدولة التيوقراطية الدينية، لأنه يعمتد على مرجعية لاتمثل إرادة الناس ( او الناخبين) ، وهذه
المرجعية في الأساس هي التي اخترعها ويعمل بها بعض الشيعة ( وليس كلهم حتى) ..

كذلك هناك بنود تتعلق بالمناصب العليا للدولة على ان يتولاها "مسلم ذكر" اي انه لايجوز للأقباط
تولي مثل هذه المناصب وكذلك المرأة.. مثل هذه الشروط تتناقض مع روح الدولة المدنية التي نسعى
الى تأسيسها ، ايضا في الشق الخاص بالسياح الأجانب القادمون الى مصر ووضعيتهم وضرورة
ارتداء السائحات للحجاب ، الى غير ذلك من الشروط ، خاصة إذا علمنا ان السياحة تمثل مقوم أساسي
من مقومات الاقتصاد الوطني المصري ، وأن مثل هذه الشروط يمكن ان تهدر الكثير من اقتصاديات
الدولة .وبالتالي أجمالا يمكنني القول أن الملاحظات الاساسية تتمثل في النقاط الثلاث السابقة الذكر ..
إنما في المجمل فإن برنامج الاخوان يلتقي معنا في اكثر من 70 بالمائة ..وهو برنامج إصلاحي
مدروس ودقيق لا يختلف كثيرا من برامج احزاب المعارضة الاخرى.

الجزيرة توك : على ذكر احزاب المعارضة المصرية هناك من يصف الحالة السياسية القائمة في مصر
بانها حالة "توازن الضعف"

بين المعارضة والنظام ما رايكم ؟هذا صحيح الى حد بعيد .. ولكن لتعلم أن النظام هو الذي اراد ذلك ،
اي ان النظام لم يستطع إقامة حزب سياسي قوى، وحال دون إقامة احزاب معارضة قوية ..

الجزيرة توك : اين تجد "الجبهة الديمقراطية " نفسها وسط هذه الحالة ؟الجبهة الديمقراطية لا زالت
في بداية عملها ..في مرحلة التخطيط في مرحلة الاتصال بالجماهير واستكشاف الارض المناسبة
للعمل ..والحكم عليها لا بد ان ينتظر حتى يكون منصفا .في رؤية حزبكم نلاحظ في اكثر من بند تتحدثون
فيه عن دور مصر وريادتها وضرروة تفعيل ذلك الدور واعادة مصر لحجمها .. اولا ما هو التصور الذي
ترونه لتحقيق ذلك؟ ثم الا ترون ان دور مصر بالاساس مرتبط بتحولات كبرى تحدث في المنطقة ؟في
الواقع دور مصر مرتبط بأمرين : أن يقوم النظام السياسي في مصر على قاعدة ديمقراطية وعلى إرادة
الناس مما يجعله نظام قوي وفاعل ومؤثر..ثم بعد ذلك لا بد ان يكون له دور اقليمي ودولي ، للأسف
اليوم مصر تخلت عن دورها الإقليمي والدولي واصبح هاجس النظام هو البقاء في الحكم لأطول فترة
ممكنة !النقطة الأخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية التي تمثل عنصر أساسي في استهداف الأمن القومي
المصري والعربي ، وبالرغم من أهمية وخطورة ذلك الامر والتي أنا على ثقة بأن النظام في مصر
يدركها جيدا .. فإن دور مصر كان ينبغي ان يكون أكبر مما هو عليه الان .

الجزيرة توك : سيادة الدكتور هل تم التخلي عن ذلك الدور في رايكم أم تم تحييد مصر من هذا الدور
من خلال قوى وضغوط خارجية ؟
أعتقد أن الامر يبدأ منذ معاهدة "كامب ديفيد" ،ثم الحرص الشديد على البقاء في السلطة
،وعدم الرغبة في أزعاج الولايات المتحدة وإسرائيل، كل هذا ادى الى إضعاف دور مصر الإقليمي
والدولي .."من يمكن أن يصدق أن مصر ليس لديها علاقات ديبلوماسية مع إيران ؟!!"رغم ان إيران
قوة إقليمية ودولية بالغة الأهمية في هذه المنطقة ، وكل دول الخليج معترفة بذلك ولديها علاقات تبادل
ديبلوماسي معها..حتى السعودية (الدولة السنية الكبرى) لها علاقات ديبلوماسية مع طهران ، إذاً علينا
أن نتساءل لماذا حدث ذلك .. والإجابة بسيطة أننا نريد ان "نجامل أمريكا وإسرائيل " .. وهذا دليل على
تراجع وضعف الدور المصري .

الجزيرة توك : تقول في احدى تصريحاتك عن الرئيس مبارك أن "المصادفة" وحدها من قادته الى
كرسي الحكم .. فهل المصادفة ايضا هي التي ابقته 26 عام في الحكم ؟أولا : لا شك ان مبارك هو أحد
ابطال حرب 6 اكتوبر ،وهذا ليس مصادفة ، لكن المصادفة في ان السادات وثق فيه واختاره نائبا له ،
وهنا اقول أنه "لو اختار السادات نائبا آخر غير مبارك لاصبح رئيسا لمصر بعد حادثة الاغتيال" ، وهذا
ما اعنيه بالمصادفة

الجزيرة توك : ولكن في حالة اختيار السادات لرجل اخر هل كان سيبقى كل هذه
الفترة في تقديرك؟الله اعلم ..ولكن ما يمكنني قوله هو أن "مبارك أعتمد في بقائه على الحكم على
جهاز الأمن وعلى سلبية الشعب المصري " ..وللامانة اقول أن مبارك في العهدة الاولى لحكمه وكذلك
في جزء من المدة الرئاسية الثانية كان يتمتع بقدر من الشعبية ، لكن تلك الشعبية تراجعت نتيجة
مشاكل كثيرة .ايضا معالي الوزير فيما يتعلق بقضية التوريث نقلت عن الرئيس مبارك انه سبق وأن
قال " لايمكن ان أعيش كل هذه الفترة في جهنم ثم أشجع أبني على العيش فيها" الى أي مدي يمكن
فهم أن الرئيس لا يريد توريث الحكم لإبنه؟هذا الحديث قديم ويبدوا ان هناك امور تغيرت الآن تماما
وهناك حرص على التوريث

الجزيرة توك : هل ما زلت مستعدا للقيام بحملة انتخابية لصالح "جمال مبارك" كما صرحت لاحد
الفضائيات ، في حالة ترشحه بعيدا عن ابيه وبعد فترة رئاسية كاملة لخليفة
الرئيس مبارك ؟هذا التصرح قلته في إطار الحديث عن المستحيلات .. بمعنى ان لو الرئيس مبارك ترك
السلطة في حياته وهذا امر مستحيل ..وأتى على السلطة مواطن أخر عادي بانتخاب ديمقراطي وهذا
امر مستحيل ايضا ..وبعد ذلك ترشح "جمال مبارك" بطريقة ديمقراطية شفافة وهذا ايضا مستحيل..
( يضيف ساخرا) في حالة تحقق كل تلك المستحيلات ، فأنا سأفعل مستحيلا آخر عبر التبرع لصالح
حملة جمال .. واجوب معه مدن مصر

الجزيرة توك : بعيدا عن المستحيلات ، والتوريث هل هناك شروط تؤهل جمال مبارك في رايك لتولي
الحكم في مصر ؟والله أنا اسمع انه شاب مثقف وطموح وجاد ، ولكن القضية ليست هنا بل في القبول
الشعبي له الذي يكاد يكون مفقود تماما .دوما نسمعك تدعوا الى انتخابات حقيقية، والى دستور جديد
للجمهورية ما هي الآليات التي تراها مناسبة لتحقيق ذلك ؟حتي تكون الانتخابات حقيقية لا بد ان تكون
هناك أحزاب حقيقية وقوية ،ولا بد من اشراف قضائي عليها، ولابد من توفر الثقة في اتجاه احترام
إرادة الناس ..لأن الشعب اضحى يدرك أن لا أحد يريد تحكيم ارادة الناس وبالتالي يحجم عن المشاركة
السياسية.
الجزيرة توك : في الشق الخاص بالدستور في سؤالي لم تجب عليه ..آلا ترى (وانت دكتور
في القانون الدستوري )أن الاشكالية في الوطن العربي لا تتعلق بالدساتير والنظم القانونية بقدر ما
تتعلق بالممارسة لان الدول العربية تمتلك دساتير قد تكون نموذجية ولكن في غياب الممارسة الحقيقية
للديمقراطية ؟هذا صحيح تماما ..هناك فقيه فرنساوي اسمه جيردوا يقول "هناك دول لها دستور وهناك
دول دستورية " والفارق كبير بالطبع وفي اغلب بلدان العالم الثالث ومن ضمنها جميع البلدان العربية
لها نصوص دستورية بعضها جيد جدا ولكنها نصوص وضعت لكي لا تنفذ ..مثلا لدينا نص يقول: "سيادة
القانون أساس الحكم في الدولة " ولكن لا علاقة لهذا النص بالممارسة الفعلية.

الجزيرة توك : في آخر لقاء لكم مع رؤساء اربعة أحزاب معارضة (الوفد، الناصري، التجمع،
والجبهة) أعلنتم عن مبادرة
"الإنقاذ الوطني" ما هو مضمون وفحوى تلك المبادرة؟في اعتقادنا أن الأحزاب السياسية في مصر
ضعيفة ، والجمع بينها قد يؤدي الى خلق قوة جديدة ،ولابد ان نجتمع على حدود معينة او مطالب محددة
، وبالتالي فهناك أمور نجتمع فيها مع هذه الأحزاب كضرورة تعديل الدستور وقيام جمهورية برلمانية ،
ضرورة استقلال القضاء ..تداول السلطة وحرية تكوين الأحزاب ، وتفعيل مسار الديمقراطية ..هذه
الأمور تكاد تكون موضع اجماع ليس الأحزاب الاربعة فحسب بل معظم الاحزاب المعارضة بما فيها
حزب الوسط ، وحزب الكرامة وكلاهما تحت التأسيس.

المصادفة هي التي قادت مبارك لكرسي الحكم 1193740029

الجزيرة توك : أخر سؤال هو حول شخصك ..حيث انك أعلنت عدم ترشحك لاي منصب تنفيذي داخل
الحزب الذي تترأسه لأسباب قلت انها تتعلق بالسن؟ في الواقع انا إقترحت لدي تاسيس الحزب على ان
تنص اللوائح الداخلية على ان لا يتم إسناد اي منصب تنفيذي (قيادي) على شخص تجاوز الخامسة
والسبعين، وهنا التزم أدبيا بهذا الطرح وسوف استقيل من منصبي في اول جمعية عمومية تعقد .. ولن
ارشح نفسي لأي منصب قيادي لانني تجاوزت الان الخامسة والسبعين ... والعمل التنفيذي – في
تصوري- يحتاج الى جهود واعصاب وتنقلات ..الخ

الجزيرة توك : هل تريد أن تضرب مثلا لأحزاب المعارضة المصرية عبر هذه المبادرة ؟ليس لاحزاب
المعارضة فحسب .. بل للجميع ، فهناك احزاب تطالب بالديمقراطية وتداول السلطة بينما لا تفعل ذلك في
هياكل حزبها .