الحبوب ๑۩۞ الــــمــــد يــــر๑۩۞
عدد الرسائل : 371 تاريخ التسجيل : 27/10/2007
| موضوع: منهج الخليفة أبي بكر الصديق في المحافظة على منجزات دولة النب الأربعاء نوفمبر 07, 2007 5:57 pm | |
| [color=red]تخصص خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبالضبط كيفية تعامله سياسيا مع التركة السياسية النبوية، وأعني هنا بـ"سياسيا" أي باعتباره خليفة للمسلمين ورئيسا عليهم وليس كـ"رجل دين"، وأود أن أعتذر للإخوة هاهنا لرجوعي لبعض الكتب التي لا تعتبر من مصادر البحث التاريخي الأصلية وذاك لانعدام كثير منها في المكان الذي أنا فيه، فمعذرة.
بعد هذا أقول:
-إن المتأمل في الكيفيات التي بنيت بها الأعمال الناجحة وصنعت بها الجهود الهامة لا يغيب عن ذهنه في تحليل تلك الخلفية النظرية لتلك الأعمال وتلك الجهود عنصر المحافظة على المكتسب سواء أكان ذلك من صنعه هو أو من صنع أسلافه, وليس بناء الدولة ببدع عن ذلك ولا بناءٍ عنه.
-كما أن عناية الشريعة الإسلامية بهذه النقطة وبتلك المسألة ظاهرة غير خافية فقد قال الله تعالى:{عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت عنه تلهى} [عبس الآية: 1]
فنلاحظ أن الله عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم لما أعرض عن مسلم جاء يسعى إليه والتفت وتصدى لكافر يريد إدخاله في دين الله، ووجه الاستشهاد أن الله لفت إلى العناية لمسلم محافظة على إنجاز سابق ولم يلفتها إلى كافر أراد النبي صلى الله عليه وسلم إدخاله في الدين رغم كونه إنجازاً جديدا.
- هذه المقدمة النظرية تجرنا إلى معرفة "الـهـمِّ" الذي سيصاب به أبو بكر الخليفة الجديد لو لم يحافظ على تلك المجموعة من المنجزات التي خلّفتها دولة النبي صلى الله عليه وسلم ويبرز ذلك الهم من المنطلق الإيماني الذي تنطلق منه دولة أبي بكر والذي حدده بقوله: ((إنما أنا متبع ولست بمبتدع)) [تاريخ الطبري: 2/245] ومن القناعة الإيمانية التي كان يتميز بها الخليفة أبو بكر.
- وهذا ما يستدعي معرفة منجزات النبي صلى الله عليه وسلم على الإطار السياسي أي معرفة مخلفات دولة النبي صلى الله عليه وسلم والتي انطلق منها خليفته من بعده في بناء أول مرحلة من مراحل الخلافة الراشدة.
وفي اعتقادي أن النبي صلى الله عليه وسلم خلّف في دولته:
1- رجالاً: بالمعنى الدقيق الذي تحمله كلمة ((رجل)) من:
- قناعة تامة بالدين الإسلامي.
- فعالية على مستوى التفكير.
- فعالية على مستوى الإنجاز.
2- أرضاً: تعتبر مهد الإسلام والدولة الإسلامية الأولى وتعبّر عن مفهوم ((الوطن))في التعبير السياسي المعاصر حيث لا يقبل التنازل عنها ولا المساومة عليها مهما كانت الدوافع والملابسات ومهما بلغت قيمتها.
3- تشريعاً: يعبر عنه بالسنة ويراد به فهم النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره وتبيينه لما أجمله القانون الأزلي –القرآن- مع ما شرعه من جملة قوانين تضبط الدولة وسنن تحكم في المجتمع وآداب تحكم في الحياة.
4-سمعة: تتميز بالجودة من جهة الإلتزام بالخلق النبيل والذوق الرفيع في التعامل مع الأفراد والمجتمعات والدول وتتميز بالهيبة والعزة من جهة الإعزاز بالحق والانطلاق منه والرجوع إليه والاحتكام له.
- هذه إجمالاً بعض منجزات النبي صلى الله عليه وسلم على مستوى الدولة والتي قدر الله لأبي بكر أن يشهد تشويهاً وتشويشاً ومساساً بها فانبرى رجمه الله يدافع عنها ويذود عن حماها ما أمكنه ومهما كلّفه.
فلما كاد يمس "الرجال" و"الأرض" و"التشريع" و"السمعة" دفعة واحدة في حروب الردة انبرى لها رضي الله عنه، ولما قرب أن يضيع "الرجال" و"التشريع" جمع القرآن خوفاً من ضياعه، وكذلك حين تخوف على "سمعة الدولة" أتم بعث أسامة إلى الروم.
- وهذه العناصر الثلاثة أقصد حرب الردة وجمع القرآن وبعث أسامة هي المحاور الكبرى التي تحرك عليها الخليفة أبو بكر الصديق على صعيد أول إشكال واجهه هو المحافظة على منجزات الدولة النبوية.
أولا: مواجهة حركة التمرد على الدين والدولة:
توفي النبي صلى الله عليه وسلم وترك أمر إختيار الخليفة شورى بين المسلمين ((وبينما يختلف أهل المدينة ثمّ يتفقون على بيعة أبي بكر إذ النعاة يسرعون إلى القبائل يحملون إليها النبأ بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ..و لم يلبث العرب حين ذاع النبأ فيهم أن اشرأبت أعناقهم من كل صوب يريدون أن يلقوا عن عواتقهم سلطان المدينة وأن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم إليهم وانتشار أمره فيهم))[ الصديق أبو بكر: /71]، وهنا تبدأ المشكلة الأولى مشكلة الردة والتي بلغت من الخطر ما جعل عروة بن الزبير يقول: ((وقد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة من كل قبيلة, ونجم النفاق, واشرأبت اليهود والنصارى, والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلّتهم وكثرة عدوهم))[ تاريخ الطبري: 2/245].
إن هذا التصوير الدقيق للوضع في تلك الفترة يعطينا مقدار الشعور بالذل لدى مجتمع الصحابة بالمدينة هذا الشعور يفسر كثيراً من المواقف الآتية, كما أن ذلك التصوير للواقع القائم يعبر عن مدى سلطان أهل الردة وقوّة نفوذهم.
هذه هي المشكلة التي تصدى لها أبو بكر, وهذا هو أبو بكر الذي تصدى لتلك المشكلة.
تحديد المشكلة: إنها حركة تمردية وإن شئت سمّيتها انقلابا فالكل له معنى وإن اختلفت تراكيب الكلام؛ أجل إنها حركة تمردية قادتها قبائل كثيرة ضد تعاليم دين إعتنقوه عن رضى وقناعة ثمّ ما لبثوا أن غدروا, وإنها لحركة انقلابية ضد سلطان اختاره كبار المهاجرين وبايعه كبار الأنصار فما لرعاع الناس وغوغائهم؟ ومالسفهاء القبائل؟
و إنها لحركة تمردية على الزكاة والدين كله إذ ادّعى رؤساء بعض القبائل النبوّة, وكأن مقام النبوة يُدخَل إليه بالجاه والمال, هذه هي المشكلة وهذا هو تحديدها.
إلا أن سؤالاً يبقى: ما هي القبائل التي سارت هذا النهج وارتضت هذه الخطة؟ وهل لها أهداف واحدة؟ وما هي؟
و الواقع أن هذا الأمر من الميسور الإجابة عليه لإفاضة كتب التاريخ في ذلك.
و الحقيقة أن اللذين شاركوا في هذه الحركة التمردية كانوا أصنافاً عدة يتنوعون بين:
1- قوم منعوا الزكاة و أبوا أداءها مطلقاً.
2- قوم منعوها أبا بكر خاصة.
3- قوم ادعى رؤساؤهم النبوة وقام قومهم تصديقا لهم.
4- قوم تابعوا المتنبئين حمية فقط.
5- قوم أرادوا العودة إلى حياة الجاهلية.
6- قوم مُغَرَّرُون لما يدخل الإيمان في قلوبهم.
وهذه الأصناف نجد لها في الواقع العسكري أثراً كبيراً وبارزاً على صعيد "الإصرار على القتال" الذي يدل ازدياده على قناعة تامة في النفس، ونقصانه يدل على العكس من ذلك.
وتعليل الكلام في الردة لربما يطول، والباحث فيه يلزمه الإطلاع التام على تاريخ العرب في الجاهلية قبل مبتعث النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتاج إلى نوع من التفهم النفسي والاجتماعي لتلك القبائل المرتدة، وهذا يصلح لأن يكون مشروع بحث أكاديمي لا مقال في منتدى افتراضي.
إلا أن السبب الذي يقنع العقل وتطمئن إليه النفس هو أن تلك القبائل ما أسلمت إلا في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في العام الذي يسبق وفاته والذي سمي عام الوفود إذ وفدت عليه صلى الله عليه وسلم قبائل تميم والأزد وزبيد ومراد وعبد القيس وكندة وجذامة وبنو عامر وطيء وغيرها.
فإسلامها في سنة ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الموالية جعل الجهد التربوي الذي قام به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان من عادته أن يبعثهم إلى القبائل ليفقهوها لم يسعها بذلك الشكل الذي مست به القبائل التي كانت أسبق إلى الإسلام كالأوس والخزرج.
ضف إلى هذا أن هذه القبائل أو معظمها ما أسلم رغبة في الدين ولا قناعة به بل كان الإسلام آنذاك حديث العام والخاص [موضة بالتعبير الحديث] يخوض فيه الكل بلا استثناء، ومهَّد هذا الكلام الباب لإسلام القبائل التي ما أسلمت إلا إستجابة لـ"موضة ذلك العصر"، ثم ما لبثت أن ارتدت منافسة أن تكون النبوة في غير قبائلهم، أولـم يقل طليحة لمسيلمة ((أشهد أنك كذاب وأن محمداً صادق, ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر))[الصديق: /146].
على كل حال انقضت هذه الحركة التمردية وانقلب المسلمون فرحين بما أنجزوا من منجزات دخلت باب التاريخ من بابه الأوسع.
خطورة المشكلة:
ويتبادر الآن سؤال نذكره بعد سرد هذه القصة، فحين جمع أبو بكر الناس يستشيرهم في قتال مانعي الزكاة رأت طائفة كبيرة من المستشارين أن لا يقاتلهم وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أن أبا بكر أجاب ((والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه))، فقال عمر –وأدلى بحجته-: ((كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابهم على الله")) فأجاب أبو بكر: ((والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، وقد قال: "إلا بحقها")) [الصديق: /96].
و السؤال بل الأسئلة هي لماذا كان هذا الاختلاف بين أبي بكر وعمر؟ كيف أن أبا بكر وهو الرجل اللين واللطيف الشفيق- يتخذ ذلك الموقف الصارم والشديد؟ وما هو مدى خطورة تلك المشكلة حتى كان أبو بكر يصر على القتل ولا يبدأ كلامه إلا بالقسم؟
إن هذه الثلاثة من الأسئلة لهامة جداً لإدراك حجم المشكلة فقد كان أبو بكر الصديق يفكر في الأمر وينظر إلى المسألة نظر الخليفة أي بنظر سياسي فهو خليفة ومسؤول وعليه تبعات بينما عمر كان ينظر إلى المسألة نظر الفقيه أي بنظر ديني فهو يفتي حسب واقعة مجردة دون النظر إلى بعدي الزمن والمكان ومن هنا تغلب أبو بكر على عمر وأحس هذا الأخير بأن الحق مع أبي بكر فقال: ((فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال حتى عرفت أنه الحق)) [الصديق: /96]، وقال ابن مسعود: ((كرهنا ذلك أي القتال في الابتداء ثمّ حمدنا عليه في الانتهاء))[حروب الردة: /24].
أما عن حجم المشكلة فقد كان أبو بكر ينظر إلى حركة التمرد وإلى المتمردين أنهم:
1- منع الزكاة يساوي جحود معلوم من الدين بالضرورة وهذا يستلزم الكفر.
2- منع الزكاة يسبب نقصاً في مدخول الدولة مما يعني ضرراً على المستوى العام.
3- إسقاط الزكاة على المانعين يؤدي إلى:
- التساهل في أحكام الدين.
- الطمع في إسقاط أحكام أخرى.
- طلب القبائل الأخرى نفس الطلب.
كما أن عدم الاعتراف بأبي بكر سلطانا معناه:
- الطعن في نزاهة الصحابة خاصة المهاجرين والأنصار.
- السماح بتسرب الفتن من خلال تعدد القيادات.
- شغل المسلمين بمعركة القيادة بدل معركة الفتح.
- إضعاف شوكة المسلمين من خلال ذلك التعدد.
والتنبؤ وادعاء النبوة لدى البعض معناه:
- الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وبلاغه.
- اتخاذ النبوة مطية للوصول إلى الحكم.
- فتح الأربعة للأجيال الآتية للتهتك على النبوة.
- تشويه مقام النبوة الذي يؤدي إلى الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
وانضمام القبائل والأفراد إلى حركة التمرد يستلزم:
- رضا بالكفر وهو إقرار بالكفر.
- تقليص الدائرة الجغرافية للدولة هذا لا يجوز[الصديق: /110].
- بذل طاقات وجهود هامة في طرق غير صحيحة.
هكذا كان أبو بكر ينظر إلى هذه المشكلة, وأن مشكلة هذا حجمها خليقة بأن تجند لها الطاقات وتبذل فيها النفوس وتروح من أجلها الأموال مهما طالت مدتها لكن أبا بكر إستطاع حل المشكلة في مدة لا تجاوز السنتين فيا لذلك الإنجاز ويا لتلك الفترة وهنا منبع العبقرية في شخصيته رضي الله عنه.
و بقي هنا سؤالان: كيف حل أبو بكر المشكلة؟ وما هي نتائج تلك المشكلة؟
منهج أبي بكر في حل المشكلة:
نلاحظ من خلال تتبع المسيرة التاريخية ومن خلال نقد-جهد المقامة- الذي بدأه أبو بكر أنه سار في قمع حركة التمرد مسيرتين: أولاهما المسيرة السلمية والثانية المسيرة العسكرية.
أولا: المسيرة السلمية وتضم ثلاث وسائل:
1- الرسل: فلقد بعث أبو بكر الرسل إلى القبائل قبل أن يسير إليها الجيوش معها كتاب يذكر فيه أنه ((قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به... وأني قد أنفذت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته ألا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله, فمن استجاب وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أن يقاتله على ذلك ولا يبقي على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة ويسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام فمن آمن فهو خير له, ومن تركه فلن يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي هذا في كل مجمع لكم والداعيةُ الآذان))[ الصديق: /116].
2- تفريق الأحلاف: وهذا منهج اعتمده الخليفة في حربه مع طليحة فقد أذاع أنه خارج بنفسه إلى خيبر حتى يلاقي خالدا فيعينه على جموع المرتدين وطلب من عدي إقناع طيء وفعلا تكلم عدي مع قومه حتى أقنعهم فقالوا له بعد أن رأوا صدق نصحه لهم: ((إذن فاستقبل الجيش فانهه عنَّا حتى نستخرج من لحق بالبزاخة منا، فإنا إن خالفنا طليحة وهم في يديه قتلهم وارتهنهم))[الصديق: /116].
ففرح عدي وقال لخالد: ((يا خالد أمسك عني ثلاثا يجتمع لك خمسمائة مقاتل لتضرب بهم عدوك وذلك خير من أن تعجّلهم إلى النار وتشاغل بهم)) [الصديق: /116], وتم الأمر ونجحت خطة أبي بكر.
و بعد مدة غير يسيرة عاود عدي خالداً وقال له: ((إن طيئا كالطائر وإن جديلة أحد جناحي طيء فأجِّلنِي أياما لعل الله أن ينتقذ جديلة كما انتقذ الغوث)) [الصديق: /117]، وفعلا لحق عدي بخالد في ألف مقاتل.
-3 العفو عن ببعض رؤوس الفتنة: إذ رأى أن في العفو مصلحة للمسلمين وأن المعفو عنه فيه من الخير ليس من الحكمة قتله، بل الأولى استغلالها وتوجيهها إلى مواطن النفع العام حيث يضمن لها كل الحرية ويوضح مساحة العمل وفي المقابل تضمن له إنجازات جبارة لكونها كانت فعالة في جانب الشر فحولت إلى جانب الخير فأثمرت وذلك اقتداء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)).
ولقد عفى عن "قرة بن هبيرة" من بني عامر و"علقمة بن علاثة" من بني كلب و"أبو شجرة بن عبد العزى"، كما عفى عن "قيس بن عبد يغوث" وعفى عن "عمرو بن معديكرب" الفارس المشهور والذي كان من رؤوس حركة التمرد في بني زبيد إلا أن عفو أبي بكر عنه جعل تلك الطاقة تتفجر خاصة يوم القادسية والتي أبلى فيها البلاء الحسن وعمره قد جاوز المائة.
و كذلك "طليحة بن خويلد الأسدي" لما عفى عنه أبلى البلاء الحسن يوم نهاوند وصدق ظن أبي بكر رضي الله عنه.
ثانيا: المسيرة العسكرية وتضم أربعة مسائل:
1- تسيير الألوية: اتخذ الخليفة قرار بالمواجهة العسكرية رغم كل الظروف التي كانت تعاكس ذلك القرار ووجه أحد عشر جيشا إلى مناطق مختلفة لقمع حركة التمرد[ الصديق: /116، حروب الردة:/72-73]:
- فأرسل خالدًا إلى بني أسد وتميم ثم إلى اليمامة بعد فشل عكرمة وشرحبيل.
- وأرسل شرحبيل بن حسنة. ووجهه إلى مسيلمة باليمامة.
- وأرسل عكرمة بن أبي جهل إلى اليمامة أيضاً.
- وأرسل العلاء بن الحضري إلى البحرين وساحل الخليج العربي.
- وأرسل عمر بن العاص إلى عمّان ثم بني قضاعة.
- وأرسل عرفجة البارقي إلى عمّان.
- وأرسل المهاجرين بن أمية إلى اليمن وحضر موت.
- وأرسل خالد بن سعيد بن أبي العاص إلى اليمن.
- وأرسل عياض بن غنم إلى البناج قرب العراق.
- وأرسل معن بن حاجز السلمي إلى بني سليم وهوزان.
2- إخراج ورقة خالد بن الوليد: وإخراج خالد بن الوليد في قائمة الجيوش كان له من المعاني ما يلي:
- فهو رجل حرب مجرب له سمعة حربية واسعة.
- وهو مشهور في حربه بالبطش والشدّة والإنتقام والقوة.
- كما أنه مشهور في حروبه بالذكاء والدهاء والحزم والحيطة والفطنة.
- وكذلك كان النصر حليفه في غالب الحروب التي خاضها.
فكانت القبائل إذا تسامعت بأن جيش المسلمين موجه إليهم تسلل إليهم الفزع خاصة بعد أرسل جيش أسامة الروم فكانت القبائل المرتدة لا تفتأ تذكر الحرب ولا تفتا تذكر خالدًا في الحرب.
و هذا ما يفسر أن أبا بكر رغم كل الأخطاء التي ارتكبها خالد في الحرب كقتل "مالك بن نويرة" وتزوج امرأته أثناء غزوة لبني تميم وتزوجه بنت مجاعة أثناء الحرب في غزوة اليمامة، وكل ذلك كان أبو بكر يعفو عنه ويقبل منه.
3- تقتيل كل من قتل المسلمين المتواجدين في القبائل المتمردة: فقد قتل أبو بكر "الفجاءة إياس بن عبد ياليل" فأوقد له ناراً في مصلى البقيع على حطب كبير وأحرقه, كما أن خالداً لم يقبل توبة "غطفان" و"هوزان" و"سليم" و"طيء" إلا أن يجيئوه بمن قتل المسلمين ومثلوا بهم وجازاهم بمثل ما فعلوا بالمسلمين، كما أن "أم زمل" قتلها خالد شر قتلة جزاء ما صنعت بالمسلمين.
4- سياسة نزع الأرض من المتمردين: وهذه السياسة إتخذها أبو بكر مع "بني ذبيان" إذ انتزع منهم "الأبرق" وقال: ((حرام على "بني ذبيان" أن يمتلكوا هذه البلاد وقد غنمناها لله)) [الصديق: /116].
نتائج الحركة التمردية:
أثمرت تلك الحروب عن نتائج رائعة جداً نذكر منها:
1- الكشف عن قيادات وطاقات قيادية في المقاتلين كان لها أثر كبير في سير الفتوحات مثل القعقاع بن عمرو وأخوه عاصم وزهرة بن الحوية وجرير بن عبد الله والمثنى بن حارثة وعدي بن حاتم والنعمان بن مقرن وإخوته التسعة.
2- كما كشفت عن قدرات قتالية عظيمة للفئات المقاتلة رشح فيما بعد طليعة الفتح في تخوم فارس والشام وفلسطين.
3- وكانت مجالا خصباً لعملية التدريب للمقاتلين الذين لم يقاتلوا منذ حنين وتبوك.
4- وأظهرت هذه الحروب رؤية عسكرية واضحة جداً على مستوى "قيادة الأركان" التي كانت تنطلق من سياسة واضحة ومن "عقيدة استراتيجية" محددة تجاه الواقع اليومي حددت معالمه بدقة كل تلك المحاورات والمراسلات التي كانت تم بين مجاس الشورى في المدينة أو بين القيادات الميدانية.
5- تثبيت الدين وتوطيد أركانه في أرض الجزيرة العربية حيث قضي على التمرد قضاءً كاملاً.
6- موت واستشهاد الكثير من القراء يوم اليمامة والذي كان سبباً لجمع القرآن كما سيأتي.
[color:48ce=indigo:48ce]7- ضحايا كثيرون في صفوف المسلمين وصرف طاقات كبيرة من أجل القضاء على التمرد جعلت التعويض عنهم أمر لا بد منه لتكثير سواد المسلمين، الأمر الذي يجعل الفتح هو أحسن طريق لذلك. | |
|